قد نكون نحن الشعوب العربية من بين أكثر الشعوب تداولا و تتبعّا للأحداث و المستجدات السياسية و هذا ليس بغريب عنّا خاصة و أن منطقتنا العربية تنزح تحت وطأة الاحتلال والنزاعات و الانقسامات التي لا تعرف النهاية لها طريقا.. فنحن نحبّ السياسة و تحبّنا حبّا عذريا كعاشق ولهان أضناه الشوق إلى معشوقته التي لا يقوى على فراقها..فهي تأبى أن تفارقنا يوما ما لا بل باتت الموعد المقدّس لنا الذي نتجرع تفاصيلها المرّة عند كل صباح و مساء..عندما نتابع أخبارها اليومية التي نعايشها بكل دقّة و تفان و كأنها من المقدّسات التي نحاسب عليها عند مجرد التفريط فيها..
و كان القاسم المشترك..
ربما لم يكن ليخطر ببالنا إطلاقا بأن القاسم المشترك الذي يربط بين الحب و السياسة هو ذاك اللون الأحمر الزاهي بجرأته و الطاغي بتفاصيله التي تتخلّلنا..عندما يحيينا بعاطفته الجياشة و يقتلنا بدمائه المسالة في كل مكان ،لون أحبّنا فيه الحب فأهدانا زهو وروده الحمراء في عيده المقدّس..الذي أضحى مناسبة تتجدد فيها المشاعر و يحيا فيه الحب ليرسم علاماته المميزة على وجوه بني الإنسان.. المحبّ للسلام و الوئام..و لون جنت عليه السياسة اللعينة فأوقعته في فخ من التراجيديا الملازمة لنا التي انبثقت من سياسات المنطقة والتي لم تنجب سوى مرثيات غادر فيها الحب تفاصيل يومياتنا لتزكينا فيها الأيام برائحة الدم المقيتة التي عانقت مخيلة شعوبنا طوال فترة من الزمن لم يبرح فيه القتل شعوبنا أبدا.. لون أحمر فظيع أصبح البطل الذي يحتلنا و يعيش فينا ذكرياته..فنقلته الشاشات بكل جرأة لتظهر لنا الإنسان عينه الذي أحب بكل إخلاص و عشق الحياة بحلوها و مرّها..الإنسان الذي يصنع الحب اختطفته أهوال السياسات و التي يترجم فيها الحبّ بالدماء لتتبنى هي بدورها ميامين عرش الإنسان عندما تكافؤه بالقتل و التدمير و الهلاك لتختلط المفاهيم و تتشعب الأدوار في وهلة ينتقم فيها اللون الدامي عندما يرفض التنحي عن تفاصيل حياة الإنسان لتطلق صفارات الإنذار أصواتها المنبعثة من عمق الآلام و حرقة الآهات على حب تناثرت فيه الأمنيات التي ترافق مراسمه عندما يموت فيها لون الفرح الذي تختزله الدماء.
بين الجاني و المجني عليه..
لا أحد ينكر أن السياسة الجانية بطغيانها اللامتناه و الذي يزداد حدّة يوم بعد يوم في ظل الأوضاع الراهنة في فلسطين المحتلة و العراق المسلوب و لبنان المتفرقة و الصومال الذي تكالبت عليه الأعداء ..لا أحد ينكر أن السياسة قد مارست أشد العقوبات على مفهوم الحبّ حين تحامت عليه وانتزعت الرحمة و الرأفة من قلبها فقتلت وفرقت و شتّتت العديد من الأسر هناك بكل برودة أعصاب.. سياسة ترتعش لها الأجساد و تقشعر لها الأبدان .. لم تعترف بالحرمات و لم تئن لفقدان و الأب و الأم والأخ والحبيب سياسة لم تعترف قط بالحب أدركها الجفاء مبكّرا فاخترقت الحياة و الأرواح بكل يسر عندما اقترفت أبشع الجرائم كالتي نشهدها على شاشاتنا اليومية ..سياسة بذورها تنبت الشوك القاتل لتحصد بها حبّا دام لا يقوى على الانتظار حتى يفجر الموت أمام عيون البراءة .. و كيف لا و قد اعترف بها العدوّ و تبناها ليطهر بها المنطقة العربية و يستنسخ عندها أناس من جنس آخر لا يحملون سوى أعلام السلام المزيفة بمقولات من الحبّ البارد لا تصل إلى مراتب النقاء و الصفاء الداخلي الخال من كل ضغينة جوفاء...فأي سياسة هذه التي تحتلنا لتورق دماء الحبّ فينا..و أي زمن هذا الذي يختصر فيه الحبّ في لحظات عند بانفجار قنبلة لتعلن النهاية المأساوية..ليرتوي الحبّ من نبع ملوث أوجدته الأحداث المفجعة الدرامية بدعم من السياسة النكراء المعتدية.
و يبقى الحبّ ساريا المفعول مهما تكالبت عليه الأحداث..
الحب فطرة ولدت مع الإنسان رغم كل التعثرات التي تلاحقه.. و رغم الجرم الذي اقترفته السياسات ذات القلوب المتحجرة في حقه..لا يزال يحتل مكانة عظمى في قلب بني البشر..و لد فينا و يحيا فينا و لا يقوى على إعلان الاستقلال منّا مهما تعاظمت القسوة الممارسة ضدّه في أحيان كثيرة.. لم يكن يوم عيده ليصبح الاحتفاء به مناسبة عظمى.. لأنه يسكننا في كل اللحظات و كل الأوقات حب لا يعترف بالنهايات.. دعوتي للسياسة أن تحبّنا و تجمع بين شعوبنا المتألمة على خير ووفاق.