بقلم: مجدي ملاك
في كثير من الأحيان استمع لمحادثات بين زملاء العمل أو الأصدقاء دون أن تكون لدي مداخلة في ذلك الحوار أو تلك، وفى ذلك أجد متعة للتفكير والتأمل في القضية موضع الحوار ومثار الحديث بينهم، وواحد من أهم الموضوعات التي تداولت على سمعي في الفترة الأخيرة بشكل كبير هو موضوع الحب بعد الزواج وهل يستمر الحب بعد الزواج بنفس المعنى الذي عاشه العاشقان في مرحلة ما قبل الارتباط؟ أم أن ذلك الحب يختفي؟ أم يأخذ أشكال أخرى تجمع بين الزوجين؟
وقد أجمع الكثير إن لم يكن كل من سمعت أحاديثهم أن الحب له احتمالان بعد الزواج، الاحتمال الأول أن يتحول في شكل آخر، كحب الأبناء أو حب العشرة وبحيث يصبح نوع من الروتين العادي الذي اعتاد عليه كل طرف من الطرفين، أي تضيع ملامحه في سبيل حياة هادئة وتهرب في هذه الحياة الهادئة جمال الشعور بالحب وانطلاق الحياة والمرح وأحاسيس اللهفة التي كانت تتملك كل منهم مع بداية شعورهم بالحب قبل الزواج، الاحتمال الثاني أن يفتر الحب مطلقاً وتختفي معه كل الأحاسيس المرتبطة به، ونتيجة هذا الفتور تحدث العديد من الأشياء التي تدفع بالعلاقة في اتجاه البعد أكثر من القرب، وبمرور الوقت تزداد الخلافات ومن ثم تتباعد المسافات ونتيجة بعد هذه المسافات تسود حالة من الصمت بين الطرفين نتيجة عدم القدرة على التواصل، وهو ما ينتج معه المزيد من المشاكل حيث لا يمكن توقع أن يكون هناك طرفين شريكين ولا يتحدثوا إلى بعضهم البعض.
والمشكلة التي دفعتني للتأمل ومنهم أصدقائي وهم من دفعوني للكتابة في ذلك الموضوع، ما هو سبب الحالة الأولى؟ حيث تتحول الأمور من الحب إلى مجرد عشرة بالأيام والاكتفاء بقليل من الكلام والكثير من الشكوى من كلا الطرفين، وعندما تأملت هذه الحالة وجدت أن معظم أسباب تلك الحالة تتمحور في الضغوط الاقتصادية التي ربما تؤدي إلى حالة الخرس الزوجي التي يعاني منها الكثيرين في مرحلة ما بعد الزواج، وتلك الضغوط ربما يستطيع الحبيبين تحملها في البداية، ولكن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه مع زيادة متطلبات كل منهم خاصة مع وجود أطفال ربما يصبح التركيز في كثير من الأحيان ليس على كلمات الحنان التي يتوقعها كل طرف من الثاني، بل يزداد التفكير في كيفية تدبير الاحتياجات التي ظهرت نتيجة الأعباء الجديدة، ولا شك أن ذلك يعمل بشكل أو بآخر على تقليل الفترات الوقتية التي من الممكن أن يجلس الطرفين فيها من أجل مزيد من التواصل في المشاعر، وهو ما يعمل على زيادة الإرهاق الذهني لدى كل طرف وحيث أن المشاعر والأحاسيس لا يمكن أن تخرج دون أن يكون هناك نوع من الهدوء يسود تلك العلاقة ونوع من الراحة الذهنية التي تصفي الذهن لاستقبال تلك المؤثرات، يكون من الصعب إرسال أي إشارات عاطفية في هذه الأحوال.
وهناك سبب آخر لتلك الحالة وهو النظرة المختلفة وهدف كل شخص من الزواج والارتباط بالآخر، ففي كثير من الأحيان تتغلب الاحتياجات الجسدية عند الرجل على ما عداها من احتياجات ومن ثم يتركز هدف الرجل في إشباع احتياجه الجسدي دون الاهتمام بالعديد من الأمور التي لا يمكن أن تعيش المرأة دونها في حياة الزوجية التي تشعر أنها تحتاج في هذه العلاقة بالإضافة لإشباع رغباتها الجسدية هي أيضا إلى عدد من الأمور تحتل أهمية كبيرة لديها منها الأمان والحنان والحوار البناء والفاعل، أن تشعر بأن زوجها يراها إنسانه قبل أن يراها جسد، أن يراها فكر قبل أن يراها منظر يتمتع بجمالة، أن يراها قيمة قبل أن يراها مطيعة، أن يراها غصن قبل أن يراها حضن، وهذا ما تحتاجه المرأة أن يستطيع الرجل فهم طبيعتها لمزيد من زيادة التواصل ونجاح الحب الذي بدأ بينهما، ومن ثم فبدون تلك الأشياء لا يمكن أن يستمر الحب كما هو، وسوف يتحول بالطبيعة إلى مجرد نوع من العشرة والتعود ليتحول الزواج إلى عملية فسيولوجية وليست عملية إنسانية الهدف منها الفرح وتحقيق السعادة المطلقة وليس إشباع الرغبات.
أما الاحتمال الثاني الخاص بإمكانية أن يفتر الحب مطلقاً وتختفي معه كل الأحاسيس المرتبطة به، فمزيد من التأمل نجد أن هذه الحالة يصل إليها الطرفين حين تختلف اتجاهات التفكير بدرجات كبيرة وبحيث لا يعد هناك أي تقابل بين الطرفين في أي الأشياء، وبالطبع فإن هذا يحدث حين تزداد الأنانية لدى كل طرف وعندما لا يكون لديه استعداد لتقديم تنازلات بعدما تظهر الاختلافات بعد الزواج، وهو شيء متوقع بدرجة كبيرة، وبحيث يصبح الحل من وجهة نظر كل طرف هو عدم الحديث والاكتفاء بحياة الأمر الواقع وهو شيء لا يدوم كثيراً في الحياة الزوجية التي من المفترض أن يكون فيها العديد من التفاعلات التي تخلق الانسجام والراحة بين الطرفين.
على أية حال لا شك أن الحياة بعد الزواج يحدث بعدها اختلاف ولو طفيف والزوجين الناجحين هما اللذان يستطيعا الحفاظ على حبهما بمزيد من الاختلاف الذي يسمح لكل طرف أن ينطلق نحو حياته العملية والعلمية، وليساند الآخر في خطواته التي يسعى لتحقيقها دون تذمر أو إعطائه شعور بأنه يفعل ذلك كنوع من التضحية من أجله، وذلك لأن هناك أهمية أن يتواجد إيثار لدى كل طرف وبحيث يعطى كل طرف للآخر دون أن يشعره بأنه يعطي له ، ويجب أن يساند كل طرف الآخر فيما يتعرضوا له من مشاكل أو مخاطر، فإذا كانت هناك مشاكل اقتصادية يجب أن يتحمل كل منهم تلك المشاكل مع التفكير الجيد في كيفية الخروج من تلك الأزمة والعمل على زيادة الطمأنينة بين الطرفين لا زيادة الخوف بينهما، لأن إحساس الأمان مهم جداً في أوقات الأزمات.
وفى النهاية فعلى كلا من الطرفين أن يؤمن بالكلمة التي تستطيع أن تغير قلوب الكثيرين، فبكلمة من أي طرف يستطيع أن يهدئ من العاصفة القادمة بقوة أياً كانت قوة تلك العاصفة، فإيمان كلاً منهما بالآخر وسعيه نحو تلمسه والوصول له من خلال الكلمة، سوف تكون بمثابة عامل السحر في ظهور الحب على السطح ليطغي على كل مشكلة تظهر، وهذا لا شك يتطلب قدر من حياة الإيمان والتسليم للرب الذي يساهم كثيراً في حل ما يعترضهم من مشكلات، فحياة التسليم إذا ما عاشها كلا الطرفين سوف تشعرهم بأحاسيس الحب بشكل كبير إذا آمنوا أنها قادرة على حل مشاكلهم، طالما يسعون من ناحيتهم ويتركون الباقي لمن يستطيع أن يهدئ من العواصف بكلمة واحدة.
وأخيرا تذكر أن كلمة بحبك لها مفعول السحر إذا ما كنت تقولها أو تقوليها وأنت مؤمن أو مؤمنة بها إيمان حقيقي وليس مجرد كلمة تردد في المناسبات، فلكل زوج وزوجة استطاع أن يعيش حياة الفرح والحب الحقيقي كل تحية وتقدير واحترام، وإلى اللقاء في حلقة أخرى من كلام في الحب، حب بلا حدود.